سورة يونس - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


الرجوع يقتضي ابتداء الأرواح قبل حصولها في الأشباح، فإن لها في مواطن التسبيح والتقديس إقامة، والغائب إذا رجع إلى وطنه من سفره فلقدومه أثر عند مُحبِّيه وذويه، كما قيل:
أيا قداماً من سَفْرةِ الهجر مرحباً *** أناديك لا أنساك ما هبَّت الصِّبا
ويقال المطيع إذا رجع إلى الله فله الزُّلفى، والثواب والحسنى، والعاصي إذا رجع إلى ربِّه فَبَنَعْتِ الإفلاس وخسران الطريق؛ فيتلقى لِباس الغفران، وحُلَةَ الصفح والأمان، فرحمةُ مولاه خيرٌ له من نُسْكِه وتقواه.
قوله: {وَعْدَ اللَّهِِ حَقَاً}: موعودُ المطيع الفرادِيسُ العَلَى، وموعودُ العاصي الرحمة والرِّضى. والجنَّةُ لُطْفُ الحقِّ والرَّحمةُ وصفُ الحق؛ فاللُّطفُ فِعْلٌ لم يكن ثم حصل، والنَّعْتُ لم يزل.
قوله: {إنَّهُ يَبْدَؤُا الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}: مَنْ كان له في جميع عمره نَفَسٌ على وصفِ ما ابتدأَ الحقُّ سبحانه به ففي الإشارة: تكون لذلك إعادة، وأنشدوا:
كلُّ نَهْرٍ فيه ماءٌ قد جَرَى *** فإِليه الماءُ يوماً سيعودُ


أنوار العقول نجومٌ وهي للشياطين رجوم، وللعلوم أقمار وهي أنوار واستبصار، وللمعارف شموس ولها على أسرار العارفين طلوع، كما قيل:
إنَّ شمسَ النهار تغْرُبُ بالليل *** وشمسُ القلوب ليست تَغِيبُ
وكما أَنّ في السماء كوكبين شمساً وقمراً؛ الشمسُ أبداً بضيائها، والقمرُ في الزيادة والنقصان؛ يُسْتَرُ بمحاقه ثم يكمل حتى يصير بدراً بنعت إشراقه، ثم يأخذ في النقص إلا أَنْ لا يبقى شيءٌ منه لتمام امتحاقه، ثم يعود جديداً، وكل ليلة يجد مزيداً، فإذا صار بدراً تماماً، لم يَجِدْ أكثر من ليلةٍ لكَمَالِه مقاماً، ثم يأخذ في النقصان إلى أن يَخْفَى شَخْصُه ويتِمَّ نَقْصُه.
كذلك مِنَ النَّاسِ مَنْ هو مُتَرَدِّدٌ بين قَبْضِه ويَسْطِه، وصَحْوِه ومَحْوِه، وذهابه وإيابه؛ لا فَنَاءَ فيستريح، ولا بقاءَ له دوامٌ صحيحٌ، وقيل:
كلَّما قُلْتُ قد دنا حَلُّ قيدي *** كَبَّلوني فأوثقوا المِسْمَارا


اخْتُصَّ النهارُ بضيائه، وانفرد الليلُ بظلماته، من غير استيجاب لذلك، ومن غير استحقاق عقاب لهذا، وفي هذا دليلٌ على أَنَّ الردَّ والقبولَ، والمَنْعَ والوصولَ، ليست معلولةً ولا حاصلةً بأمرِ مُكْتَسبٍ؛ كلاَّ إنها إرادةٌ ومَشِيئَةٌ، وحُكْمٌ وقضية.
النهارُ وقتُ حضور أهلِ الغفلة في أوطان كَسْبِهم، ووقتُ أربابِ القربة والوصلة لانفرادهم بشهود ربِّهم، قال قائلهم:
هو الشمس إلا أنَّ للشمس غَيبةً *** وهذا الذي نعنيه ليس يغيبُ
والليلُ لأحدِ شخصين: أمَّا للمُحِبِّ فَوقْتُ النَّجوى، وأَمّا للعاصي فَبَثُّ الشكوى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8